شهدت العلاقات بين إسبانيا والولايات المتحدة مؤخرا توترات متزايدة نتيجة سياسات مدريد في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية، بعد أن رفضت الحكومة الإسبانية مؤخرًا شراء طائرات أمريكية، وامتنعت عن الالتزام بهدف الإنفاق الدفاعي الجديد لحلف الناتو البالغ 5%، في الوقت الذي تسعى فيه لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين.
وقال محللون سياسيون إن إسبانيا باتت نموذجًا نادرًا لدولة أوروبية مستعدة لإثارة غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث لم تتعرض حتى الآن لأي تبعات مادية رغم تهديداته بفرض اتفاق تجاري صارم عليها، بحسب ما نقلته شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية.
وقال فيديريكو سانتي، المحلل البارز لدى مجموعة “أوراسيا”، إن إسبانيا “البلد الأوروبي الوحيد الذي يعارض ترامب علنًا بينما تحاول بقية الدول تجنب المواجهة”، مشيرًا إلى ضعف التحالف الحاكم اليساري في البلاد وتورطه في فضائح وتحقيقات فساد.
ورفض رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، الذي يقود البلاد منذ 2018، دعوات المعارضة للاستقالة، وأعلن عزمه الترشح لولاية جديدة في 2027، فيما يرى مراقبون أن التركيز على ملفات كبرى كالدفاع قد يساعده على صرف الانتباه عن أزماته الداخلية، حيث نوه سانتي عن أن عضوية إسبانيا في الاتحاد الأوروبي توفر لها حماية من ردود الفعل الأمريكية المباشرة، وأن ترامب لا يضع مدريد على رأس أولوياته السياسية.
وأكدت وزارة الدفاع الإسبانية الأسبوع الماضي أنها لم تعد تدرس خيار شراء مقاتلات “إف-35” الأمريكية، مفضلة استبدال أسطولها المتهالك بطائرات أوروبية، وجاء ذلك بعد تصريحات لترامب وصف فيها رفض مدريد الالتزام بهدف الإنفاق الدفاعي للناتو بأنه “أمر فظيع”، مهددًا بأن الاقتصاد الإسباني “قد يُسحق إذا حدث أمر سيئ”، ومتوعدًا بجعلها تدفع “ضعف” الرسوم التجارية.
ووقع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لاحقًا اتفاقًا تجاريًا إطاريًا يفرض رسومًا بنسبة 15% على واردات الاتحاد إلى أمريكا، وهو ما استفادت منه إسبانيا ضمن الموقف التفاوضي الموحد لبروكسل، في حين تعرضت دول غير أعضاء كسويسرا لرسوم تصل إلى 39% على صادراتها.
ويرى إجناسيو مولينا، الباحث في المعهد الملكي “إلكانو” بمدريد، أن البعد الجغرافي عن روسيا، والطبيعة الخاصة للسياسة الخارجية الإسبانية منذ آخر حرب خاضتها عام 1898 ضد الولايات المتحدة، يجعل علاقة مدريد بواشنطن “أقل حيوية” مقارنة بدول أوروبية أخرى، فضلًا عن أن الثقافة السياسية الإسبانية أكثر “أوروبية” من كونها “أطلسية”، كما أشار إلى أن الحكومة الإسبانية هي “الأكثر يسارية أيديولوجيًا” في أوروبا، ما يخلق دافعًا سياسيًا داخليًا للابتعاد عن ترامب غير الشعبي في إسبانيا.
وبحسب الصحيفة، تعمق الخلاف الدبلوماسي مع سعي مدريد إلى علاقات اقتصادية أوثق مع بكين، إذ منحت عقدًا بملايين اليوروهات لشركة “هواوي” الصينية لتوريد تقنيات التنصت، ما أثار انتقادات من مسؤولين أمريكيين وأوروبيين، واعتبرت كريستينا كاوش، الباحثة البارزة في صندوق مارشال الألماني، أن هذه الخطوة تثير القلق رغم انسجامها مع رغبة أوروبية أوسع في إعادة التوازن الاستراتيجي، مؤكدة أن مقاومة الضغوط الأمريكية على مشتريات الدفاع تعكس تصميم أوروبا على تطوير قدراتها العسكرية والصناعية بشكل مستقل.
لكن كاوش حذّرت من أن هذا النهج ليس خاليًا من المخاطر، مضيفة أن “إسبانيا تعطي صوتًا لمخاوف تشاركها بدرجات متفاوتة دول أخرى في الاتحاد الأوروبي أو الناتو، لكنه أيضًا رهان كبير قد ينقلب على سانشيز شخصيًا، وعلى إسبانيا، وعلى أوروبا“.
تعليقات الزوار ( 0 )