رصدت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية فى مقال افتتاحى لها ما وصفته بمحاولات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لشن هجوم مرعب على البيانات الاقتصادية الصادرة عن الهيئات الاقتصادية الأمريكية، وقالت إنه لأشهر، أثار رئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، جيروم باول، غضب ترامب وذلك لفشله في تصميم تخفيضات أسعار الفائدة، الأمر الذي أثار ما وصفته الصحيفة ب”انتقادات طفولية وتهديدات بمنصبه”، بينما في يوم الجمعة، جاء دور مكتب إحصاءات العمل إذ نشرت الوكالة أرقاما بطيئة لرواتب المهن غير المرتبطة بالزراعة لشهر يوليو، وخفضت تقديراتها لإنشاء الوظائف في الشهرين السابقين بمقدار 258 ألف وظيفة. ونجت إريكا ماكينتارفر، مفوضة الوكالة، من الإهانات غير أنها أقيلت على الفور ومن المتوقع الإعلان عن بديل لها قريبا.
وقالت الصحيفة -في مقال افتتاحي أوردته اليوم – إن ترامب زعم -دون دليل- بأن ماكينتارفر تلاعبت بالأرقام ، ويكمن التفسير الأكثر ترجيحا في أن الرئيس الأمريكي ببساطة لم يعجبه الأرقام ، ولم تكن سوى مسألة وقت قبل أن تظهر تخفيضات الإدارة في وظائف الخدمة المدنية واستطلاعات الرأي المتشائمة حول خطط التوظيف في القطاع الخاص، فضلا عن ضغط ارتفاع أسعار الفائدة، في الأرقام الرئيسية ، ورغم أن تخفيضات بيانات الأسبوع الماضي كانت كبيرة، إلا أن جداول الرواتب غير المرتبطة بالزراعة متقلبة بشكل ملحوظ، والمراجعات شائعة .
ونسبت الصحيفة إلى ترامب قوله: “يجب أن تكون أرقام مهمة كهذه عادلة ودقيقة ولا يمكن التلاعب بها لأغراض سياسية”. إلا أن إقالة رئيس مكتب إحصاءات العمل لأسباب مشكوك فيها قد قوضت الثقة في البيانات الاقتصادية الأمريكية، وجعلتها مسيسة.
ومضت الصحيفة تقول: أولا، هذه الخطوة الجذرية تخلق ثقافة من الخوف حول إنتاج الإحصاءات الاقتصادية الوطنية. وهذا يعطي المستثمرين والشركات وبنك الاحتياطي الفيدرالي سببا للتشكك فيما إذا كانت المخاوف بشأن رد فعل رئاسي قد تؤثر على إصدارات البيانات القادمة، ليس فقط من مكتب إحصاءات العمل بل أيضا من الهيئات العامة الأخرى، بما في ذلك مكتب التحليل الاقتصادي، هو المكتب المسؤول عن أرقام الناتج المحلي الإجمالي. وثانيا: من المرجح أن يكون خليفة ترامب لماكنترفر أكثر خضوعا لمطالبه، الأمر الذي يهدد سلامة بيانات مكتب إحصاءات العمل نفسها، وليس فقط كيفية تصورها.
وأشارت فاينانشيال تايمز إلى أن أفعال ترامب لا تخدم طموحاته الشخصية أيضا، إذ يصدر مكتب إحصاءات العمل تقارير عن سوق العمل والتضخم والتي تشكل أساس تسعير تريليونات الدولارات من الأصول عالميا. وبينما يمكن لمصادر البيانات الخاصة سد بعض الثغرات، إلا أن إثارة الشكوك حول مصداقية البيانات الوطنية لا يزال يضعف قدرة المستثمرين والشركات وصانعي السياسات على اتخاذ قرارات مدروسة، مضيفة أنه من المفارقات أن البنك المركزي يبحث عن علامات ضعف واضحة في سوق العمل قبل إجراء تخفيضات أسعار الفائدة التي يرغب بها ترامب بشدة. ومما يثير القلق أيضا الاستبدال الوشيك لمحافظة الاحتياطى الفيدرالى أدريانا كوجلر -التي استقالت مبكرا يوم الجمعة- والذي يأمل ترامب في أن يكون أداة لتحديد أسعار الفائدة.
واختتمت الصحيفة البريطانية مقالها قائلة إن الرئيس الأمريكي ليس الوحيد الذى انتهج هذه السياسة. فهو ينضم إلى قائمة من القادة، الذين اتهموا في السنوات الأخيرة بالتدخل في المؤسسات الاقتصادية بهدف السيطرة على الخطاب العام. والدرس المستفاد من هذه الدول واضح ألا وهو إنه: من الصعب كبت الحقيقة وغالبا ما تشعل محاولات كبت الحقيقة حملات أوسع نطاقا لقمع حرية التعبير. في نهاية المطاف، تصبح صناعة السياسات الفعالة وثقة الجمهور وثقة السوق، أضرارا جانبية. فالسياسيون الذين لا يستطيعون مواجهة الحقائق يعرضون المؤسسات التي تعتمد عليهم للخطر.
تعليقات الزوار ( 0 )