تُعد الطفولة المبكرة مرحلة أساسية في تشكيل وجدان الإنسان، لكنها في الوقت ذاته، تظل غامضة في ذاكرة الكثيرين. فمع التقدّم في العمر، يجد بعض البالغين أنفسهم غير قادرين على استحضار أي تفاصيل من أعوامهم الأولى. هذا الغياب ليس استثناءً، بل ظاهرة شائعة تعرف علميًا باسم “فقدان الذاكرة الطفولي”.
التطور الدماغي وعلاقته بنسيان الطفولة، حسبما ذكره تقرير نُشر في موقع BetterHelp، فإن الذاكرة طويلة الأمد لدى الإنسان لا تنضج بالكامل إلا بعد السنوات الأولى من الحياة. في تلك المراحل، يكون الدماغ في طور بناء الروابط العصبية الأساسية، لذا فإن تخزين الذكريات قد لا يحدث بالكفاءة الكافية، مما يجعل استرجاعها لاحقًا صعبًا.
دور الصدمات النفسية في اختفاء الذكريات
ليس النمو العصبي وحده هو المتسبب في فقدان الذكريات المبكرة، بل قد تتداخل عوامل نفسية عميقة في هذا الشأن. الطفل الذي عايش مواقف مؤلمة، سواء كانت لفظية أو عاطفية أو حتى إهمالًا مستمرًا، قد يُطوّر آليات دفاعية داخلية، تؤدي إلى طمس تلك التجارب من وعيه بهدف الحماية الذاتية. هذا النسيان قد يكون غير واعٍ، لكنه ضروري لضمان استمرارية النمو النفسي السليم.
هل يمكن استعادة الذكريات المفقودة؟
استرجاع الذكريات ليس أمرًا مستحيلًا، لكنه يتطلب بيئة آمنة واستعدادًا نفسيًا. قد تساعد بعض الوسائل التحفيزية، مثل مراجعة الصور القديمة، أو الاستماع إلى موسيقى مألوفة، أو استنشاق روائح مرتبطة بالطفولة، في استحضار بعض المشاهد المنسية. ولكن من الضروري عدم الضغط على النفس في هذا المسار، إذ أن العقل يُظهر ما يُناسب التوقيت العاطفي للإنسان فقط.
متى يتحول نسيان الطفولة إلى إشارة خطر؟
رغم أن فقدان الذكريات المبكرة يُعد طبيعيًا في الكثير من الأحيان، إلا أن استمرار غياب فترات زمنية كبيرة، أو مصحوبًا بشعور دائم بالفراغ أو القلق، قد يكون مؤشرًا على وجود اضطراب أعمق. في هذه الحالة، ينصح الخبراء بالتوجه إلى مختص نفسي لتقييم الوضع بشكل دقيق.
نسيان الطفولة لا يعني بالضرورة أن شيئًا سيئًا قد حدث، لكنه قد يكون انعكاسًا لمسار النمو الطبيعي للعقل. وبين ما نحتفظ به، وما ننساه، تظل الطفولة مرحلة خفية تحتفظ بأسرارها في أعماقنا، إلى أن يحين وقت ظهورها من جديد، إن كان ذلك مناسبًا للنفس.
تعليقات الزوار ( 0 )